شويّة دردشة

السلاح المصري في سوريا | بقلم .. خالد عكاشة

خالد عكاشة

 

منذ نحو اسبوعين تقريبا ، أجرت احدى القنوات التابعة لحزب الله اللبناني لقاء مطول مع الرئيس السوري بشار الأسد، وعلى غير المعتاد دبج الرئيس بشار وصلة مديح لمصر وللقيادة المصرية ووقف عند الجيش المصري ليبعث إليه بتحية خاصة ويحاول أن يستعيد مقولات الجيش الأول والجبهة الشمالية والجبهة الجنوبية، وهو حديث جميل ورصين ولكنه قد يكون تأخر لعامين تقريبا فمنذ ثورة 30 يونيو 2013م لم نسمع من القيادة السورية أو أي من حوارييها ـ حتى ـ رسالة تواصل، مع ما كان يقوم به الجيش المصري طوال العامين المشار إليهما وللمفارقة أن أحد إيجابيات ما حدث بثورة يونيو، أنها بإزاحتها للإخوان عن حكم مصر أنقذت سوريا بشكل أو بآخر مما كانت جماعة الإخوان ترتب للقيام به على الأراضي السورية تعاونا مع أطراف إقليمية كلفتهم للقيام بذلك، المؤتمر الجماهيري ( لبيك يا سوريا ) الذي نظمه الرئيس المخلوع مرسي في نفس شهر يونيو الذي قامت فيه الثورة كان أحد إرهاصاتها، وأحد أسباب الدفع بالشعب والجيش المصري للنزول وإنقاذ مصر مما كان يخطط لها هي والمنطقة برمتها ومنها سوريا الشقيقة على أيدي جماعة الإخوان .

وقتها وطوال العامين المشار إليهما وحتى الوصول إلى الحديث المتلفز لم يشير الرئيس بشار بكلمة للمشهد والحدث المزلزل الذي رآه الجميع، فقد كان وقتها لا يملك الحديث خارج الفلك الإيراني الذي نعت الثورة المصرية بالإنقلاب العسكري ولايزال حتى الآن إلا قليلا، فتظاهر الرئيس بشار أنه لم ير ما حدث في مصر فلم يتحدث أو يحاول التقرب منه بصنع صيغة تواصل كان من الممكن أن تجنب الوطن السوري كثير من الويلات التي تجرعها طوال تلك المدة، لكن ما الذي أحدث هذا التغير في المواقف وهل استيقظ النظام السوري فرأى مصر مؤخرا فجأة، بالتأكيد لم يحدث كما لم يحدث تغيير في الموقف المصري الرسمي والشعبي تجاه ما يحدث في سوريا وتجاه الرئيس بشار شخصيا، الجديد فقط هو العلاقة المتنامية ما بين مصر وروسيا وتشكل أوضاع جديدة لمح منها الرئيس السوري أن هناك مواضع أقدام جديدة تتحدد في الإقليم، لذلك اختار الرئيس السوري قناة حزب الله التي لم تتخلف يوما كإيران تماما على الإساءة لمصر شعبا وقيادة خاصة فيما بعد ثورة يونيو، اختار هذا المنبر مبتعدا خطوات تلفزيونية عن الطوق الإيراني الذي يكبل حديثه وخطواته ليبعث بما يظنه مغزلة للدور المصري .

مشكلة سوريا وإيران وحزب الله مع مصر تحديدا وهي التي لم تؤذ أي منهم أو تناصبه هذا العداء المراوغ الذي يجري على ألسنة مجموعة من قياداتهم، أنهم يرون طالما أن مصر الرسمية تتحالف مع دول الخليج والأردن فهي بذلك بالحتمية ضدهم وهي معادلة بائسة كمروجيها، ومسطحة بقدر من يطرحونها إن هم لم يتعاطوا مع الدولة المصرية التي تشكل تحالفاتها الإستراتيجية وفق المصالح العربية العليا المشتركة، وتلك الأخيرة تحتم على مصر أن تكون صفا واحدا مع دول الخليج كافة وبنفس القدر مع المملكة الأردنية، وهذا الصف الواحد للحماية وللمصير المشترك وليس ممارسة لعداء مع أحد بالإقليم ويمكنها من إقامة جسور مع الكافة إن كانوا هم بقدر رؤية مصر لحجم ودرجة التهديد الذي تعاني منه المنطقة .

لعبة جانبية ما مورست على هامش هذا الغزل السوري تجاه مصر تمثل في خروج ( إشاعة ) تناقلتها بعض من المواقع الإخبارية وروج لها إليكترونيا حتى تسري في أوسع مدى ممكن، مجمل الإشاعة أن مصر ومن خلف ظهر جميع هؤلاء الأطراف اللاعبين في المنطقة ترسل أسلحة وذخائر مصرية للنظام السوري كمساعدة من أجل مكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة التي تقاتل النظام على الأرض هناك، روجت الإشاعة بنوع من الهمس وكأنه تداول لأسرار يريد صاحبها أن يبدو وكأنه عليم بما هو غير المعلن عنه، ولضمان سريان الإشاعة جاءت صياغاتها بطريقة الثناء على مصر والتثمين لدورها الذي تقوم به حتى وهي ليست لديها علاقات رسمية مباشرة مع النظام السوري فإنها تدعمهم بالسلاح، وفي احتياج الأمر لبعض من التوابل ليسهل مضغها أن مصر تقوم بذلك من خلف ظهر الولايات المتحدة ودون معرفة حلفائها الخليجيين كي يضفى على المشهد بعض من تفاصيل البطولة لمصر، تماما كحديث بشار الأخير وهو يفصح أنه هناك لقاءات دورية ما بين الأجهزة الأمنية لكلا البلدين مصر وسوريا، وأن هذه اللقاءات لم تنقطع طوال الفترة الماضية وأن هناك دورا كبيرا يقومان به في محاربة ومحاصرة الإرهاب، وهو حديث فيه تضخيم مفهوم من الكافة وينم عن غير الحقيقة تماما فالمعلوم أن كافة الأجهزة الأمنية للدول تتلاقى وتتبادل بعض من المعلومات والامور وليس لهذا أي معنى لتقارب حقيقي أو عمل مشترك، وأجهزة الأمن المصرية كغيرها من أجهزة العالم من المفترض أنها تتقابل مع الجميع حتى وإن كانت الأجهزة الإسرائيلية أو الأمريكية وهي دول أبعد بكثير من سوريا، لكنه الحديث الذي لا يدل على شيئ ويتم فقط تركيبة بطريقة تثير المستمعين وتعطي مساحة من خيال.

بالطبع تلقف المتابعون إشاعة الأسلحة وبدأ الكل يحاول تأكيدها من خلال حديث بشار تارة ومن خلال شواهد أخرى يصطنعونها، ولم يكلف أحد نفسه للتفكير لحظات عند سؤال وحيد فارق يهدم هذا الطرح تماما وهو هل سوريا في أزمة احتياج لسلاح من الأساس، وهذا شيئ يدرك الكافة أنه غير موجود فالسلاح الروسي الرسمي وفق العقود المعترف بها يتفدق على سوريا بصورة طبيعية وبجواره السلاح الإيراني الذي يسلح كافة المليشيات التي تحارب في صف النظام مثل حزب الله وغيره، وتعوض طهران أي نقص في الأنواع التي قد يحتاجها الجيش السوري وهو قادر على إدارة قتال ضار لمدة أربعة سنوات لم نرى له مشكلات في التسليح من أي نوع، يمكن أنه يعاني من مشكلات أخرى خاصة بالمقاتلين وبالإمساك بالأرض والسيطرة عليها وهذا جاء أيضا على لسان الرئيس بشار ذاته في خطاب علني كان مباشرة قبل الحديث المتلفز المشار إليه، وفيه ذكر أطروحته الشهيرة أن أرض سوريا لمن يدافع عنها وليس لزاما أن يكون سوريا وأيضا أنه يمكن الإستغناء عن مناطق في سوريا لصالح التمسك بمناطق أكثر أهمية، لم يذكر الرجل أي أزمة تسليح ولم نر نحن أي إشارات لهذه الأزمة التي تدفعه لإستجلاب سلاح من مصر، لذلك بدت ( الإشاعة ) متكلفة بقدر كبير ومصطنعة من أجل استثمارها في مسارات أخرى وهذا هو ما لم يتأخر كثيرا . فسريعا التقطت المواقع الإخبارية الإسرائيلية هذه الإشاعة السابحة في فضاء المواقع الإلكترونية والتواصل الإجتماعي، لتعيد تشكيلها هي الأخرى كمعلومات وصلتها وتتردد بقوة في الأوساط العربية أن مصر تزود نظام بشار بالأسلحة والذخائر التي تنتجها مصر في مصانعها أو تستوردها من الجانب الروسي، وأن هذه الأسلحة تخرج من مصر عبر ميناء بورسعيد إلى ميناء طرطوس السوري وعبر سفن أوكرانية تتكفل بهذا النقل السري !!!!

عندما تبدأ مواقع إسرائيلية من نوع ( دبكا ـ ووالا ) القريبان من أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية لكنهما بالطبع مواقع غير رسمية، فبالقطع تتضح ما يراد لهذه الإشاعة كيف تنتشر وينكشف نوع الحرب الإخبارية التي تلعبها هذه المواقع لحساب الأجهزة المرتبطة بها، وتكتمل بذلك دائرة الترويج الذي بدأتها سوريا وها هي إسرائيل تردده كمعلومات وصلتها وتتناقل في مصر أيضا بنوع ساذج من تعاطي البطولة وسباق النشر نقلا عن المواقع التي ذكرته، فما يراد تحقيقه أن يلصق بمصر نوع من الأعمال السرية ليس فقط من أجل إحراجها أمام حلفاءها إنما قد يترتب ما هو أبعد من ذلك أن تتخذ مواقف حول سوريا أو باتجاه نظام بشار وتدمج فيه ما كان يتردد سابقا من أن مصر كانت تساعد هذا النظام في الخفاء، وهو نوع من ممارسة الضغط المفهوم خاصة إذا روجته إسرائيل وبدأت تؤصل له بوقائع وكأنها صحيحة من نوعية ميناء بورسعيد وغيره، ويسعد الجانب السوري من خلال نظام بشار بالطبع أن يردد هو الآخر نفس اللحن الإسرائيلي المسموم فالغريق دوما ما يتشبث بأيدي منقذيه جاذبا إياهم لنفس الأعماق الذي يتجه إليها ظنا منه أن في ذلك سبيلا لنجاته هو .

خالد عكاشة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Secured By miniOrange