أخبار مصرعاجل

الرئيس السيسي يلقي كلمة خلال الجلسة الافتتاحية لأسبوع القاهرة الثامن للمياه

ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، كلمة مُسجلة، خلال الجلسة الافتتاحية لأسبوع القاهرة الثامن للمياه، الذي انطلق اليوم تحت شعار “الحلول المبتكرة، من أجل القدرة على الصمود أمام التغيرات المناخية، واستدامة الموارد المائية”، وذلك بمشاركة واسعة من وزراء، وصناع القرار، وخبراء دوليين، وممثلي المنظمات الدولية، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني. وفيما يلي نص كلمة السيد الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم

معالي السادة الوزراء،

السادة رؤساء الوفود،

السادة ممثلي الوفود والمنظمات،

السيدات والسادة،

يسعدني أن أرحب بكم، في أرض الكنانة “مصر” هبة النيل، أرض النهر الخالد، شريان الحياة، الذي يربط ماضينا بحاضرنا، وبمستقبل أجيالنا، وذلك بمناسبة انعقاد الدورة الثامنة من “أسبوع القاهرة للمياه”، ذلك الحدث السنوي؛ الذي أصبح منارةً فكرية، ومركزًا عالميًا للحوار والتعاون، حيث تتلاقى الرؤى وتتوحد الإرادات، من أجل قضية مصيرية، ألا وهي “حماية المياه” لأنها سر الحياة وأصل الوجود.

ويعقد هذا الحدث، تحت شعار “الحلول المبتكرة، من أجل القدرة على الصمود أمام التغيرات المناخية، واستدامة الموارد المائية”، إيمانًا منا بأن قضية المياه، لم تعد شأنًا محليًا أو إقليميًا فحسب، بل قضية عالمية، تتطلب تكثيف التعاون الدولي، وتضافر الجهود لإيجاد حلول مبتكرة ومستدامة، لهذا المورد الوجودي.

السيدات والسادة،

إن العالم يواجه تحديات متعددة ومتشعبة، تتعلق بتزايد الطلب على المياه، وشح الموارد المائية، وعدم كفاية مشروعات تنقية المياه وتوفير المياه النظيفة، وسوء إدارة الموارد المائية، فضلًا عن التداعيات الخطيرة لتغير المناخ، والحاجة الملحة إلى تعزيز التعاون العابر للحدود، في إدارة الموارد المشتركة.

ولا تعد قارتنا الأفريقية، بمنأى عن هذه التحديات، فهي ثاني أكثر قارات العالم جفافًا، ويعاني أكثر من “٣٠٠” مليون مواطن أفريقي، من صعوبة الوصول إلى مياه الشرب النظيفة، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، وهو ما يشكل أزمة وجودية، في ظل التغيرات المناخية، وضعف الإمكانات، وغياب الحلول الفعالة، كما يعد عالمنا العربي، من أكثر مناطق العالم ندرة في الأمطار، ويعتمد في أغلب موارده المائية، على مصادر خارج حدوده.

الحضور الكريم،

إن مصر تواجه تحديات جسيمة في ملف المياه، حيث تعد المياه قضية وجودية، تمس حياة أكثر من مائة مليون مواطن، يعتمدون بنسبة تفوق “٩٨٪”، على مصدر واحد، ينبع من خارج الحدود هو نهر النيل.

وتصنف مصر، ضمن الدول الأكثر ندرة في المياه، إذ لا يتجاوز معدل الأمطار السنوي، “١.٣” مليار متر مكعب، ويبلغ نصيب الفرد نحو “٥٠٠” متر مكعب سنويًا؛ أي نصف خط الفقر المائي العالمي.

ومن هذا المنطلق؛ تحتل قضية توفير المياه النظيفة، مكانة متقدمة في أجندة العمل الوطني، خاصة في ظل النمو السكاني المتسارع، وارتفاع الطلب على الموارد، وتهديدات التغير المناخي، على دلتا النيل وسواحلنا الشمالية.

وانطلاقًا من هذه التحديات؛ جاء جيل جديد لمنظومة الري المصرية، ليجسد التحول نحو إدارة متكاملة ومستدامة للموارد المائية، وقد بدأ هذا الجيل، بمشروعات إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، من خلال إنشاء ثلاث محطات كبرى: هي بحر البقر والمحسمة والدلتا الجديدة، والتي تعد من أكبر مشروعات إعادة الاستخدام على مستوى العالم، وأسهمت في توفير موارد مائية إضافية، لدعم خطط التوسع الزراعي واستصلاح الأراضي.

كما تضمنت الجهود، تأهيل شبكات الترع، لرفع كفاءة نقل وتوزيع المياه، والتوسع في تطبيق نظم الري الحديثة، إلى جانب تنفيذ مشروعات حماية السواحل، وتعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية.

كما شملت الجهود، إدارة الموارد المائية بالاعتماد على أحدث التقنيات، التي تمثل نقلة نوعية في الإدارة الذكية والمستدامة للموارد المائية، من خلال دمج التكنولوجيا والابتكار، في جميع مراحل إدارة المياه.

السيدات والسادة،

إن هذه الجهود الوطنية، لن تؤتى ثمارها دون تعاون دولي فعال، يضمن حق الإنسان في الحصول على مياه نظيفة، باعتباره أحد الحقوق الأساسية، وتجسيدًا لأهداف التنمية المستدامة.

ومن هذا المنطلق؛ حرصت مصر على إدراج ملف المياه، ضمن أولويات المجتمع الدولي، فكان إدراج موضوعات المياه لأول مرة، في مؤتمرات المناخ العالمية، خلال استضافة مصر لقمة المناخ (COP٢٧)، بشرم الشيخ في نوفمبر ٢٠٢٢.

وخلال القمة، أطلقت مصر “مبادرة التكيف والصمود في قطاع المياه”، بالتعاون مع اليونسكو والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بهدف تعزيز الشراكات الإقليمية والدولية، ودعم الدول النامية في مواجهة التحديات المائية والمناخية، عبر مشروعات واقعية، تعكس تطلعات إفريقيا، وآمال الشعوب العربية، وطموحات دول الجنوب، وتكرس مبادئ العدالة والإنصاف، في إدارة الموارد.

وإيمانًا بروح التضامن الأفريقي، مدت مصر يد العون لأشقائها في القارة، لاسيما دول حوض النيل، عبر تنفيذ مشروعات تنموية شملت: حفر آبار مياه جوفية تعمل بالطاقة الشمسية، وإنشاء منشآت لحصاد مياه الأمطار، وتطوير مراكز للتنبؤ والإنذار المبكر، ونشر تقنيات الري الحديث.

كما أولت اهتمامًا خاصًا ببناء القدرات، من خلال برامج تدريبية سنوية، في “مركز التدريب الأفريقي للمياه والتكيف المناخي”، لتأهيل الكوادر الأفريقية.

وفي السياق ذاته، تدافع مصر عن مصالح أشقائها الأفارقة في المحافل الدولية، انطلاقًا من إيمانها بأن العدالة المناخية والمائية، لن تتحقق إلا إذا كان للقارة الأفريقية، صوت مسموع ومكانة مستحقة، على مائدة القرار الدولي.

السيدات والسادة الكرام،

إن مصر تؤمن إيمانًا لا يتزعزع، بأن الأنهار الدولية، لم تخلق لتكون خطوطًا تفصل بين الأوطان، بل شرايين حياة تنبض بالتكامل، وجسورًا من التعاون، تربط الشعوب وتوحد المصائر.

فالأمن المائي ليس ترفًا، والتنمية المستدامة ليست خيارًا، بل هما حقان أصيلان، لا يصانان إلا من خلال شراكة عادلة، قائمة على مبادئ القانون الدولي، تجسد روح المنفعة المتبادلة، وتعلى من شأن عدم الإضرار، وتقر بأن الحق في الانتفاع، يقترن دومًا بالواجب في احترام الحقوق.

ومن هذا المنطلق؛ تعلن مصر، وبكل وضوح وحزم، رفضها القاطع، لأي إجراءات أحادية تتخذ على نهر النيل، تتجاهل الأعراف والاتفاقات الدولية، وتهدد مصالح شعوب الحوض، وتقوض أسس العدالة والاستقرار، فالتنمية؛ ليست امتيازًا لدولة بعينها، بل مسئولية جماعية لكافة شعوب النهر، وحق يصان بالتعاون لا بالتفرد.

لقد انتهجت مصر على مدار أربعة عشر عامًا، من التفاوض المضني مع الجانب الإثيوبي، مسارًا دبلوماسيًا نزيهًا، اتسم بالحكمة والرصانة، وسعت فيه بكل جدية، إلى التوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن السد الإثيوبي، يراعي مصالح الجميع، ويحقق التوازن بين الحقوق والواجبات.

وقدمت مصر خلال هذه السنوات، العديد من البدائل الفنية الرصينة، التي تلبي الأهداف المعلنة لإثيوبيا، كما تحفظ مصالح دولتي المصب، إلا أن هذه الجهود، قوبلت بتعنت لا يفسر، إلا بغياب الإرادة السياسية، وسعي لفرض الأمر الواقع، مدفوعة باعتبارات سياسية ضيقة، بعيدة عن احتياجات التنمية الفعلية، فضلًا عن مزاعم باطلة، بالسيادة المنفردة على نهر النيل، بينما الحقيقة الثابتة، أن النيل ملكية مشتركة لكافة دوله المتشاطئة، ومورد جماعي لا يحتكر.

ومرت أيام قليلة، على بدء تدشين السد الإثيوبي، وثبت بالدليل الفعلي؛ صحة مطالبتنا، بضرورة وجود اتفاق قانوني وملزم لأطرافه، لتنظيم تشغيل هذا السد، ففي الأيام القليلة الماضية، تسببت إثيوبيا، من خلال إدارتها غير المنضبطة للسد، في إحداث أضرار بدولتي المصب، نتيجة التدفقات غير المنتظمة، والتي تم تصريفها، دون أي إخطار أو تنسيق مع دولتي المصب، وهو ما يحتم على المجتمع الدولي بصفة عامة، والقارة الأفريقية بصفة خاصة، مواجهة مثل هذه التصرفات المتهورة من الإدارة الإثيوبية، وضمان تنظيم تصريف المياه من السد، في حالتي الجفاف والفيضان، في إطار الاتفاق الذي تنشده دولتا المصب، وهو السبيل الوحيد لتحقيق التوازن، بين التنمية الحقيقية لدول المنبع، وعدم الإضرار بدولتي المصب.

السادة الأفاضل،

وإذ اختارت مصر طريق الدبلوماسية، ولجأت إلى المؤسسات الدولية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، فإنها تؤكد أن هذا الخيار، لم يكن يومًا ضعفًا أو تراجعًا؛ بل تعبيرًا عن قوة الموقف، ونضج الرؤية، وإيمان عميق بأن الحوار هو السبيل الأمثل، والتعاون هو الطريق الأجدى، لتحقيق مصالح جميع دول حوض النيل، دون تعريض أي منها للخطر، إلا أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي، أمام النهج غير المسئول الذي تتبعه إثيوبيا، وستتخذ كافة التدابير، لحماية مصالحها وأمنها المائي.

الحضور الكريم،

إن مستقبل الأمن المائي، مرهون بالتعاون الدولي الفعال، القائم على الالتزام بقواعد القانون الدولي واجبة التطبيق، علاوة على الاعتماد على التطوير والابتكار والبحث العلمي.

فلنكن جميعًا شركاء، في تحويل الرؤى إلى واقع، والأفكار إلى مشروعات، والتوصيات إلى مبادرات ملموسة، لنحافظ على الماء هذا المورد الوجودي، وليكن “أسبوع القاهرة للمياه”، نقطة انطلاق حقيقية، نحو عالم، يكون فيه الماء جسرًا للتعاون لا ساحة للصراع، ومصدرًا للأمل لا سببًا للنزاع.

وختامًا، فإنني أدعوكم إلى نقاش جاد، وحوار فعال، خلال فعاليات هذا الأسبوع، من أجل التوصل إلى حلول مبتكرة، تواجه التحديات المتزايدة، التي تعصف بمواردنا المائية، والعمل على توفير الأمن المائي لشعوبنا والتنمية لبلادنا.

وفقكم الله

وكلل جهودكم بالنجاح والتوفيق

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى